قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِى رَمَضَانَ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. اختلف العلماء فى الفطر المذكور فى هذا الحديث، فقال قوم: معناه أنه أصبح مفطرًا قد نوى الفطر فى ليلته، وهذا جائز بإجماع العلماء أن يبيت المسافر الفطر إن اختاره، وقال آخرون: معناه أنه أفطر فى نهاره بعد أن قد مضى صدر منه، وأن الصائم جائز له أن يفعل ذلك فى سفره، لأن النبى صنع ذلك رفقًا بأمته، وقد جاء هذا مبينًا فى حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر:(أن رسول الله خرج إلى مكة عام الفتح فى رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس وهم مشاة وركبان، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصوم، وإنما ينظرون إلى ما فعلت، فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، وصام بعض، فقيل للنبى، عليه السلام: إن بعضهم قد صام، فقال: (أولئك العصاة) . قال المؤلف: وهذا الحديث يبين معنى الترجمة، وأنه عليه السلام، إنما أفطر ليراه الناس فيقتدوا به ويفطرون، لأن الصيام قد نهكهم وأضر بهم، فأراد الرفق بهم والتيسير عليهم أخذًا بقوله تعالى:(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: ١٨٥] ، فأخبر تعالى أنه أطلق الإفطار فى السفر إرادة التيسير على عباده، فمن أراد رخصة الله فأفطر فى سفره أو مرضه لم يكن معنفًا، ومن اختار الصوم، وهو يسير عليه فهو له أفضل لصحة الخبر عن النبى أنه صام حين شخص من المدينة متوجهًا إلى مكة حتى بلغ عسفان أو الكديد، وصام معه أصحابه إذ