قال القاضى: ولا تعلق لهم بذلك؛ لأن هذا القول خرج مخرج الخبر، والمراد به الأمر بأمان من دخل البيت وألا يقتل، ولم يرد الإخبار عن أن كل داخل إليه آمن، فعلى مثل هذا خرج قول الرسول عليه السلام:(من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل الكعبة ودخل دار أبى سفيان فهو آمن) . إنما قصد الأمر بأمان من ألقى سلاحه ودخل فى هذه المواضع، ولم يرد بذلك الخبر، ومثل هذا قوله تعالى:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ)[البقرة: ٢٢٨] يعنى بذلك الأمر لهن بالتربص دون الخبر عن تربص كل مطلقة؛ لأنها قد تعصى الله ولا تتربص، فكذلك قال:(وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)[آل عمران: ٩٧] ، أى أَمِّنُوا من دخله. وهو على صفة من يجب أن يُؤَمَّنَ، فمن لم يفعل ذلك عصى الله تعالى وخالف، ومتى جعل هذا القول أمرًا بطل تمويههم، وقد يجوز أن يكون أراد تعالى: ومن دخله كان آمنًا يوم الفتح وقت قوله عليه السلام: (من ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبى سفيان كان آمنًا، ومن اعتصم بالكعبة كان آمنًا) فلا يناقض عدم الأمن فى غير ذلك الوقت وجوده فيه، فيكون قوله أن من دخل البلد الحرام كان آمنًا فى بعض الأوقات دون بعضها، وسيأتى فى باب:(لا يحل القتال بمكة) من كتاب الحج زيادة فى بيان هذا المعنى والله الموفق.