أبدًا، ولا يدخلوا إليهم طعامًا، وعلقوا الصحيفة فى الكعبة، فاشتد عليهم البلاء فى الشِّعب. وكان قوم من قصى ممن ولدتهم بنو هاشم قد أجمعوا على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة، فبعث الله عند ذلك الأرضة على الصحيفة، فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق لهم، ولم تترك فيها اسمًا من أسماء الله عز وجل إلا لحسته وبقى ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم، فأطلع الله رسوله على ذلك، فذكر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبى طالب فقال أبو طالب: لا والثواقب ما كذبتنى، فانطلق فى عصابة من بنى عبد المطلب حتى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش، فلما رأتهم قريش أنكروهم، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برمته إليهم. فقال أبو طالب: جرت بيننا وبينكم أمور لم نذكرها لكم، فائتوا بصحيفتكم التى فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا صلح، وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا فى الصحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بها معجبين لا يشكون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدفع إليهم. فلما وضعوها قال أبو طالب: إنما أتيناكم فى أمر هو نصف بيننا وبينكم، إن ابن أخى لم يكذبنى، إن هذه الصحيفة قد بعث الله عليها دابة لم تترك فيها اسمًا لله إلا لحسته، وتركت فيها غدركم وظلمكم لنا، فإن كان الحديث كما يقول فلا والله لا نسلمه حتى نموت، وإن كان باطلا دفعنا إليكم صاحبكم فقتلتم أو استحييتم، فقالوا: رضينا، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق عليه السلام قد أخبر بالحق، قالوا: هذا سحر ابن أخيك، وزادهم ذلك بغيًا وعدوانًا.