للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) [البقرة: ١٥٨] وكل قد أجمع النظر أنه لو حج ولم يطف بين الصفا والمروة أن حجه قد تم، وعليه دم مكان ما ترك من ذلك، فكذلك ذكر الله فى المشعر الحرام فى كتابه لا يدل على إيجابه، وأما قوله عليه السلام فى حديث عروة بن مضرس: (من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارًا فقد تم حجه) فلا حجه فيه؛ لإجماعهم أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجة تام، فلما كان حضور الصلاة مع الإمام ليس من صلب الحج الذى لا يجزئ إلا به، كان الموطن الذى تكون فيه تلك الصلاة التى لم يذكر فى الحديث أحرى ألا يكون كذلك، فلم يتحقق بهذا الحديث ذكر الفرض إلا بعرفة. قال الطحاوى: وفى حديث سودة ترك الوقوف بالمزدلفة أصلا، وكذلك فى حديث ابن عباس وأسماء، وفى إباحة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لهم ذلك للضعيف دليل أن الوقوف بها ليس من صلب الحج الذى لا يجزئ إلا به كالوقوف بعرفة؛ ألا ترى أن رجلا لو ضعف عن الوقوف بعرفة، فترك ذلك لضعفه حتى طلع الفجر من يوم النحر أن حجه قد فسد، ولو وقف بها بعد الزوال ثم نفر منها قبل غروب الشمس أن أهل العلم مجمعون أنه غير معذور بالضعف الذى به، وأن طائفة منهم تقول: إن عليه دم لتركه بقية الوقوف بعرفة، وطائفة منهم تقول: قد فسد حجه، ومزدلفة ليست كذلك؛ لأن الذين أوجبوا الوقوف بها يجيزون النفور عنها بعد وقوفه بها قبل فراغ وقتها،

<<  <  ج: ص:  >  >>