اختلف الناس فى وجوب العمرة، فكان ابن عباس وابن عمر يقولان: هى واجبة فرضًا. وهو قول عطاء وطاوس والحسن وابن سيرين والشعبى، وإليه ذهب الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق. وقال ابن مسعود: العمرة تطوع. وهو قول أبى حنيفة وأبى ثور، وقال النخعى: هى سنة. وهو قول مالك، قال: ولا يعلم لأحد الرخصة فى تركها. واحتج الذين أوجبوها فرضًا بقول الله تعالى:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ)[البقرة: ١٩٦] ومعنى أتموا عندهم: أقيموا، قالوا: فإذا كان الإتمام واجبًا، فالابتداء واجب. قال ابن القصار: فيقال لهم: هذا غلط؛ لأن من أراد أن يفعل السنة فواجب أن يفعلها تامة، كمن أراد أن يصلى تطوعًا فيجب أن يكون على طهارة، وكذلك إذا أراد أن يصوم، فيلزمه التبييت، وكذلك من نذر صلاة وصومًا فقد أوجب على نفسه وإن لم تجب فى الأصل، فإذا دخل فى ذلك انحتم عليه تمامه حتى يصير بمنزلة ما ابتدأه لله، وما قالوه يبطل بالدخول فى عمرة ثانية وثالثة لأنه يجب المضى فيها، فلما أجمعنا أنه يجب عليه تمامها وإن لم يكن ابتداء الدخول فيها واجبًا سقط قولهم، واحتجوا بحديث ابن عمر أن النبى عليه السلام قال:(ليس أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان) فالجواب: أن البخارى أوقفه على ابن عمر من قوله، فلا حجة فيه، ولو صح عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكان ذكره للعمرة مقارنة الحج لا يدل على وجوبها، وإنما معناه الحض على هذا الجنس من العبادات، كما قال عليه السلام:(قال تعالى: الصوم لى، وأنا أجزى به) . وقال:(تابعوا بين الحج والعمرة) لما لم يدل على وجوب المتابعة،