قال الله تعالى:(وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ)[البقرة: ١٩٦] إلا أن سنة المحصر أن ينحر هديه حيث أحصر، وإن كان فى الحل؛ اقتداءً بما فعل النبى عليه السلام فى الحديث، قال الله تعالى:(وَالْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)[الفتح: ٢٥] أى: محبوسًا، ولما سقط عنه عليه السلام أن يبلغ محله سقط من هديه، وأما قوله:(هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)[المائدة: ٩٥] وقوله: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[الحج: ٣٣] فقد ذكرنا قبل هذا أن المخاطب به الآمن الذى يجد السبيل إلى الوصول إلى البيت والله أعلم وليس للمحصَر بعدوٍّ أن يفعل شيئًا مما يحرم على المحرمين حتى ينحر هديه، كما فعل النبى عليه السلام فإن فعل شيئًا من ذلك فعليه الفدية، استدلالا بأن النبى عليه السلام أمر كعب بن عجرة بالفدية لمَّا حلق، وهذا قول مالك والشافعى. قال الطحاوى: واختلفوا فى المحصَر إذا نحر هديه، هل يحلق رأسه أم لا؟ فقال قوم: ليس عليه أن يحلق؛ لأنه قد ذهب عنه النسك كله. هذا قول أبى حنيفة ومحمد، وقال آخرون: بل يحلق؛ فإن لم يحلق فلا شىء عليه. هذا قول أبى يوسف. وقال آخرون: يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاج والمعتمر، وهو قول مالك، فكان من حجة أبى حنيفة فى ذلك أنه قد سقط عنه بالإحصار جميع مناسك الحج من الطواف والسعى بين الصفا والمروة، وذلك مما يحل به المحرم من إحرامه، ألا ترى أنه إذا طاف بالبيت يوم النحر حل له أن يحلق، فيحل له بذلك الطيب واللباس، فلما كان ذلك مما يفعله حين يحل فسقط ذلك عنه بالإحصار، سقط عنه سائر ما يحل به المحرم بسبب الإحصار.