وقد آذاه هوامه، ولو كان حكم غير الضرورة مخالفًا لها لَبَيَّنَهُ عليه السلام، ولما لم تسقط الفدية من أجل الضرورة، علم أن من لم يكن بمضطر أولى ألا تسقط عنه الفدية، وقال مالك والليث والثورى وأبو حنيفة: إذا حلق ناسيًا فعليه الفدية كالعامد. وقال الشافعى: لا فدية عليه. وهو قول إسحاق. واحتج من يقول بأن فرض الحج على غير الفور؛ لأن النبى عليه السلام قال لكعب بن عجرة:(تؤذيك هوامك؟) قال: نعم، قال: احلق وانسك بشاة. فنزل قوله:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (إلى قوله: (وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ)[البقرة: ١٩٦] . قالوا: وإتمام الشىء حقيقة إنما هو كماله بعد الدخول فيه، وقد يستعمل فى ابتداء الشىء تجوزًا واتساعًا، ولم يُرد الله بقوله:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ)[البقرة: ١٩٦] الإكمال بعد الدخول فيه، ولكنه تجوَّز واستعمله فى ابتداء الدخول، يدل على ذلك قول عمر وعلى: تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك. فأخبر أن التمام فيهما هو ابتداء الدخول فيهما، وهم لم يكونوا فى الحديبية محرمين بالحج فيصح خطابهم بإكماله، وإنما كانوا محرمين بالعمرة، فعلم أن الأمر لهم بإتمام الحج ليس هو أمر بإكماله بعد الدخول فيه، وإنما هو أمر بالدخول فيه ابتداء، فدل هذا أن فرض الحج على غير الفور، وأن أحكام الحج وجبر ما يعرض فيه قد كان نَزَل، وكانت قصة كعب بن عجرة فى الحديبية، والحديبية كانت سنة ست، احتج بهذا أصحاب الشافعى.