جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قد نهى عن هذا؟ قال: إنما نهى عن هذا فى الفضاء، وأما إذا كان بينك وبين القبلة شىء يسترك فلا بأس. وروى وكيع، وعبيد الله بن موسى، عن عيسى بن أبى عيسى الحناط، قال: قلت للشعبى: إن أبا هريرة يقول: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها. وقال ابن عمر: كانت منى التفاتة فرأيت النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، فى كنيفه مستقبل القبلة. فقال الشعبى: صدق ابن عمر، وصدق أبو هريرة، قول أبى هريرة فى البَرِّية، وقول ابن عمر فى الكنيف، وأما كنفكم هذه فلا قبلة لها. ودلت هذه الآثار على أن حديث أبى أيوب مخصص بحديث ابن عمر لا منسوخ به، وسيأتى اختلاف العلماء فى هذه الأحاديث فى أبواب القبلة فى كتاب الصلاة عند ذكر حديث أبى أيوب، إن شاء الله. وأما قوله: تمت إن ناسًا يقولون كذا -، ففيه دليل على أن الصحابة كانوا يختلفون فى معانى السنن، وكان كل واحد منهم يستعمل ما سمع على عمومه، فمن هاهنا وقع بينهم الاختلاف. وقال ابن القصار: إن قيل: كيف جاز لابن عمر أن ينظر إلى مقعد النبى (صلى الله عليه وسلم) ؟ فالجواب: أنه يجوز أن تكون كانت منه التفاتة فرآه، ولم يكن قاصدًا لذلك، فنقل ما رأى، وقصد ذلك لا يجوز كما لا يتعمد الشهود النظر إلى الزنا، ثم قد يجوز أن تقع أبصارهم عليه، ويجوز أن يتحملوا الشهادة بعد ذلك، وقد يجوز أن يكون ابن عمر قصد لذلك ورأى رأسه دون ما عدا ذلك من بدنه، ثم تأمل قعوده، فعرف كيف هو جالس ليستفيد فعله فنقل ما شاهد