للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أنه عليه السلام أخبر حين فرغ من أمر المشركين بها أنها لله حرم، وأنها لم تحل لأحد قبله، ولا تحل لأحد بعده بعد تلك الساعة التى حارب فيها المشركين، وأنها قد عادت حرمتها كما كانت، فكان معلوم بقوله هذا أنها لا تحل لأحد بعده بالمعنى الذى أحلت له به، وذلك محاربة أهلها وقتالهم وردهم عن دينهم. قال المؤلف: إن قال قائل: قد رأينا الحَجَّاج وغيره قاتل مكة ونصب الحرب عليها، وأن القرمطى الكافر قلع الحجر الأسود منها وأمسكه سبعة عشر عامًا، فما وجه ذلك؟ قيل له: معناه بَيِّن بحمد الله، وذلك أن الحَجَّاج وكل من نصب الحرب عليها بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكن ذلك مباحًا ولا حلالا كما حل للنبى عليه السلام وليس قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (وقد عادت حرمتها كما كانت، ولا يحل القتال بها لأحد بعدى) . أن هذا لا يقع ولا يكون، وقد يَرِدُ ذلك، وقد أنذرنا عليه السلام أن ذا السويقين من الحبشة يهدم الكعبة حَجَرًا حَجَرًا، وإنما معناه أن قتالها ونصب الحرب عليها حرام بعد النبى (صلى الله عليه وسلم) على كل أحد إلى يوم القيامة، وأن من استباح ذلك فقد ركب ذنبًا عظيمًا، واستحل محرمًا شنيعًا. قال الطبرى: فإن قيل: فلو ارتد مرتد بمكة، أو ارتد قوم فيها فمنع أهلها السلطان من إقامة الحد عليه، أيجوز للسلطان بها حربهم وقتالهم حتى يصل إلى من يجب عليه إقامة الحد؟ قيل: يجوز ذلك، ولكن يجب على الإمام الاحتيال لإخراجهم من الحرم حتى يقيم عليهم ما أوجبه الله فيهم، والحيلة فى ذلك حصار مانعيهم، والحول بينهم وبين وصول الطعام إليهم وما يُطرون مع فقده إلى إمكان السلطان منهم وممن لزمه حَدُّ الله تعالى حتى يخرج من الحرم ويقام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>