وقوله:(تأكل القُرى) يعنى: بيفتتح أهلها القرى فيأكلون أموالهم، ويسبون ذراريهم، ويقتلون مقاتلتهم، وهذا من فصيح كلام العرب تقول: أكلنا بنى فلان، وأكلنا بلد كذا: إذا ظهروا على أهله وغلبوهم. قال الخطابى:(تاكل القرى) يريد أن الله ينصر الإسلام بأهل المدينة وهم النصار، وتفتح على أيديهم القرى، ويغنمها إياهم فيأكلونها، وهذا فى الاتساع والاختصار كقوله تعالى:(وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)[يوسف: ٨٢] يريد أهل القرية، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد عرض نفسه على قبائل العرب أيهم ينصره فيفوز بالفخر فى الدنيا والثواب فى الآخرة، فلم يجد فى القوم من يرضى بمعاداة من جاوره ويبذل نفسه وماله لله، فمثل الله المدينة فى منامه فرأى أنه يؤمر بالهجرة إليها، فوصف ذلك أبى بكر، وقد كان عاقد قومًا من أهلها، وسألوه أن ينظر فيما يريدون أن يعقدوا معه عليه السلام، فخرج مع أبى بكر للمدينة، ففتح الله منها جميع الأمصار حتى مكة التى كانت موطنه. قال أبو عبد الله بن أبى صفرة: وهذا الحديث حجة لمن فضل المدينة على مكة؛ لأنها هى التى أدخلت مكة وسائر القرى فى الإسلام، فصارت القرى ومكة فى صحائف أهل المدينة. وذهب مالك وأهل المدينة إلى أنها أفضل من مكة. وقال الشافعى: مكة أفضل منها. وقد تقدم القول فى ذلك فى كتاب الصلاة فى قوله: صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. وقوله:(يقولون: يثرب) كره أن يسمى باسمها فى الجاهلية وسماها (المدينة) فلا تسمى بغير ما سماها النبى عليه السلام