/ ٢٩٠ - وفيه: زَيْدَ، لَمَّا خَرَجَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَقْتُلُهُمْ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لا نَقْتُلُهُمْ فَنَزَلَتْ: (فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ)[النساء: ٨٨] وَقَالَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّهَا تَنْفِى الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) . قال بعض العلماء: كان هذا الأعرابى من المهاجرين، فأراد أن يستقيل النبى عليه السلام فى الهجرة فقط، ولم يُرد أن يستقيله فى الإسلام، فأبى عليه السلام ذلك فى الهجرة؛ لأنها عون على الإثم، وكان ارتدادهم عن الهجرة من أكبر الكبائر؛ ولذلك دعا لهم الرسول فقال:(اللهم أمض لأصحابى هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم) . فى هذا من الفقه أن من عقد على نفسه أو على غيره عقد الله، فلا يجوز له حله؛ لأن فى حله خروج إلى معصية الله، وقد قال الله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة: ١] والدليل على أنه لم يرد الارتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبى (صلى الله عليه وسلم) على ذلك، ولو كان خروجه عن المدينة خروجًا عن الإسلام لقتله عليه السلام حين خرج، وإنما خرج عاصيًا، ورأى أنه معذور لِمَا نزل به من الوباء، ولعله لم يعلم أن الهجرة فرض عليه وكان من الذين قال لهم فيهم:(وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ)[التوبة: ٩٧] فقال فيه عليه السلام: (إن المدينة كالكير تنفى خبثها) . فإن قيل: فإن المنافقين قد سكنوا المدينة وماتُوا فيها ولم تنفهم؟ قيل: إن المنافقين كانت دارهم ولم يسكنوها اعتباطًا بالإسلام ولا حبًا له، وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم، ولم يُرد عليه