ومن الاستنجاء بالأحجار جعل أهل العراق أصلاً أن مقدار الدرهم من النجاسات فما دون، معفو عنه، قياسًا على دود الدبر، لأن الحجر لا يزيل أثر الغائط منه إزالة صحيحة. واختلفوا هل يجوز الاستنجاء بكل ما يقوم مقام الأحجار من الآجر والخزف، والتراب وقطع الخشب؟ . فأجاز مالك، وأبو حنيفة، والشافعى الاستنجاء بكل ما يقوم مقام الحجارة فى إزالة الأذى ما لم يكن مأكولاً أو نجسًا. وقال أهل الظاهر: لا يجوز الاستنجاء بغير الأحجار، قاله ابن القصار. وحجة الفقهاء أنه (صلى الله عليه وسلم) لما نهى عن العظم والروث دل أن ما عداهما بخلافهما، وإلا لم يكن لتخصيصهما بالنهى فائدة. فإن قيل: إنما نص عليهما تنبيهًا أن ما عداهما فى معناهما. قيل: هذا لا يجوز، لأن التنبيه إنما يفيد إذا كان فى المنبه عليه معنى المنبه له وزيادة. فأما أن يكون دونه فى المعنى فلا يفيد كقوله تعالى:(فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ)[الإسراء: ٢٣] دخل فيه الضرب، لأن الضرب فيه أف، وأبلغ منه، ولو نص على الضرب لم يكن فيه التنبيه على المنع من أف، لأنه ليس فى أف معنى الضرب، وقد قال تعالى:(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ)[آل عمران: ٧٥] ، فعلم أن من أدى الأمانة فى القنطار كان أولى أن يؤديها فى الدينار، ومن لم يؤدها فى الدينار كان أولى ألا يؤديها فى القنطار، وكذلك ما عدا الروث