وإرشاد لما يخشى على فاعل ذلك من الوحشة بالوحدة لا نهى تحريم، وذلك نظير نهيه عن الأكل من وسط الطعام، وعن الشرب من فى السقاء، والنهى عن المبيت على السطح غير المحجور، وكل ذلك تأديب لأمته، وتعريف لهم منه ما فيه حظهم وصلاحهم، لا شريعة ودين يحرجون بتضييعه وترك العمل به، فالعامل محتاط لنفسه من مكروه يلحقه إن ضيعه. وذلك أن السائر فى فلاة وحده والبائت فى بيت وحده إذا كان ذا قلب مخيف وفكر رديء لم يؤمن أن يكون ذلك سببًا لفساد عقله، والنائم على سطح غير محجور عليه غير مأمون أن يقوم بوسن النوم وغمور فهمه فيتردى منه فيهلك، والشارب من فى السقاء غير مأمون عليه انحدار ما خفى عليه استكنانه من الهوام القاتلة فى السقاء فيهلك أيضًا، وكذلك المسافر مع آخر قد يخشى من غائلته ولا يأمن مكره، فإذا كانوا ثلاثة أمن ذلك فى الأغلب، وهذا وما أشبهه من تأديبه (صلى الله عليه وسلم) لأمته. وأيضًا فإن الناس مختلفوا الأحوال متفاوتوا الأسباب فمن كَمِىٍّ باسل لا يهوله هائل ولا يبقى غول غائل، فهو لا يبالى وحده سلك المفاوز أو فى عسكر، فذلك الذى أذن عمر فى السير لمثله من المدينة إلى الكوفة وحده حين بلغه عن سعد أنه بنى قصرًا أو أمره بإحراق بابه، ومن مخيف الفؤاد يروعه كل منظر، ويهوله كل شخص، ويفزعه كل صوت، فذلك الذى يحرم عليه أن يسافر وحده ويمكن أن يكون الذى نهاه الرسول أن يبيت وحده كان بهذه الصفة، ومن أخذ بين ذلك الاحتياط له فى نفسه ودينه ترك السفر وحده ومع آخر أيضًا، فمن كان الأغلب عليه الشجاعة، والقوة لم يكن إن شاء الله حرجًا ولا آثمًا، ومن كان الأغلب من قلبه الهلع ومن نفسه الخور خشيت عليه فى السفر وحده الإثم والحرج وأن يورثه ذلك العلل الردية.