قال المهلب: فيه خدمة السلطان فى الحرب وسياسة دابته لأشراف الناس من قرابته وغيرهم. وفيه جواز الأخذ بالشدة والتعرض إلى الهلكة فى سبيل الله؛ لأن الناس فروا عن رسول الله ولم يبق إلا مع اثنى عشر رجلا، والمشركون فى أضعافهم عددًا مرارًا كثيرة، فلزموا مكانهم ومصافهم، ولم يأخذوا بالرخصة من الفرار. وفيه ركوب البغال فى الحرب للإمام ليكون أثبت له ولئلا يظن به الاستعداد للفرار والتولية، ومن باب السياسة لنفوس الأتباع؛ لأنه إذا ثبت ثبت أتباعه، وإذا رئى منه العزم على الثبات عزم معه عليه. وفيه جواز الفخر والندابة عند القتال. وفيه إثبات النبوة؛ لأنه قال: أنا النبى لا كذب. أى: ليس أنا بكاذب فيما أقول؛ فيجوز علىّ الانهزام، وإنما ينهزم من ليس على يقين من النصرة وهو على خوف من الموت، والنبى (صلى الله عليه وسلم) على يقين من النصر بما أوحى الله إليه فى كتابه وأعلمه أنه لا بد له من كمال هذا الأمر، فمن زعم بعد هذا أن الرسول ينهزم فقد رماه بأنه كذب وحى الله أن الله يعصمه من الناس فارتاب وإلا قتل؛ لأنه كافر إن لم يتأول ويعذر بتأويله، وسأشبع القول فى معنى هذا الحديث فى باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر بعد هذا إن شاء الله.