فإن قيل: كيف جاز أن يباشر النساء الجرحى وهم غير ذوى محارم منهن؟ فالجواب: أنه يجوز ذلك للمتجالات منهن؛ لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه، بل تقشعر منه الجلود، وتهابه النفوس، ولمسه عذاب للامس والملموس، وأما غير المتجالات منهن فيعالجن الجرحى بغير مباشرة منهن لهم، بأن يصنعن الدواء ويضعه غيرهن على الجرح، ولا يمسسن شيئًا من جسده. قال غيره: والدليل على صحة هذا التأويل أنى لم أجد أحدًا من سلف العلماء يقول فى المرأة تموت مع الرجال أو الرجل يموت مع النساء غير ذوى المحارم لا يحضر ذلك غيرهم أن أحدًا منهما يغسل صاحبه دون حائل وثوب يستره. وقال الحسن البصرى: يصب عليها من فوق الثياب وهو قول النخعى وقتادة والزهرى وبه قال إسحاق. وقالت طائفة: تيمم بالصعيد، روى ذلك عن سعيد بن المسيب والنخعى أيضًا، وبه قال مالك والكوفيون وأحمد، وقال الأوزاعى: تدفن كما هى ولا تيمم. وهذا يدل من قولهم أنه لا يجوز عندهم مباشرة غير ذوى المحارم؛ لأن حالة الموت أبعد من التسبب إلى دواعى اللذة والذريعة إليها من حال الحياة، فلما اتفقوا أنه لا يجوز للأجنبى غسل الأجنبية الميتة مباشرًا لها دون ثوب يسترها، دل بأن مباشرة الأحياء الأحس أولى بأن لا يجوز، والله أعلم.