أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) ، فاتبعه رَجُلٌ كُلَّمَا وَقَفَ، وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ الرسول:(وَمَا ذَاكَ) ؟ فأخبره، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ:(إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) . قال المهلب: فى هذا الحديث ضد ما ترجم له البخارى، أنه لا يقال: فلان شهيد، ثم أدخل هذا الحديث وليس فيه من معنى الشهادة شيء وإنما فيه ضدها والمعنى الذى ترجم به قولهم: ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان فمدحوا جزاءه وغناءه، ففهم الرسول منهم أنهم قضوا له بالجنة فى نفوسهم بغناءه ذلك، فأوحى إليه بغيب مآل أمره لئلا يشهدوا لحى بشهادة قاطعة عند الله ولا لميت، كما قال رسول الله فى عثمان بن مظعون:(والله ما أدرى وأنا رسول الله ما يفعل به) وكذلك لا يعلم شيئًا من الوحى حتى يوحى إليه به ويعرف بغيبه، فقال: إنه من أهل النار بوحى من الله له. وفيه أن صدق الخبر عما يكون وخروجه على ما أخبر به المخبر زيادة فى زكاته وهو من النبى (صلى الله عليه وسلم) من علامات نبوته وزيادة فى يقين المؤمنين به، ألا ترى قول الرجل حين رأى قتله لنفسه: أشهد إنك لرسول الله وهو كان قد شهد قبل ذلك. وقد قال أبو بكر الصديق فى غير ما قصة حين كان يرى صدق ما أخبر به النبى كان يقول: أشهد أنك رسول الله.