وقد اعترض هذا من قال: إنما أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الأنصار بهذا خاصة؛ لأنه سيد الأنصار، وهذا لا دليل عليه، بل هو سيد من حضر من أنصارى ومهاجرى؛ لأنه قال فيه قولا مجملا لم يخص فيه أحدًا ممن بين يديه من غيره، وسيأتى فى كتاب الاستئذان تأويل حديث أبى سعيد مع الحديث العارض إن شاء الله. قال الطبرى: فيه البيان عن أن لإمام المسلمين إذا حاصر العدو، فسألوهم أن ينزلوهم على حكم رجل من المسلمين، مرضية أمانته على الإسلام وأهله، موثوق بعقله ودينه أن يجيبهم إلى ذلك، وإن كان الرجل غائبًا عن الجيش؛ لأن سعدًا لم يشهد حصار رسول الله لبنى قريظة، حين سألوا النبى (صلى الله عليه وسلم) أن ينزلوا على حكمه، وكان بالمدينة يعالج كلمه الذى كلمه بالخندق، فأرسل فيه النبى (صلى الله عليه وسلم) حتى حكم فيهم، فإن وافق حكمه حكم الله ورسوله أمضى، وإن خالف ذلك رد حكمه. وقيل للنازلين على حكمه: إن رضيتم حكم غيره يحكم فيكم بحكم يجوز فى ديننا أمضينا حكمه، وإن كرهتم ذلك رددناكم إلى حصنكم، والحكم الذى لا يجوز لأحد الفريقين الرجوع عنه هو أن يحكم بقتلهم، وسبى ذراريهم ونسائهم، وقسم أموالهم، إن كان ذلك هو النظر المسلمين، وإن حكم باسترقاق مقاتلتهم، أو المن عليهم، ووضع الخراج على رءوسهم فجائز بعد أن يكون نظرًا للمسلمين. وأما الحكم الذى يرد ولا يمضى: فهو أن يحكم أنهم يقروا فى أرض المسلمين كفار بغير خراج يؤدونه إلى الإمام ولا جزية؛ لأنه غير جائز أن يقيم كافر فى أرض الإسلام سنة بغير جزية يؤديها عن رقبته، وإن سألوهم أن ينزلهم على حكم الله أو يحكم فيهم بحكم الله؛ فإنه لا ينبغى أن يجيبهم إلى ذلك لصحة الخبر الذى رواه سفيان عن علقمة