للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَألها عن الْهِجْرَةِ، فَقَالَتْ: لاَ هِجْرَةَ اليوم، وَكَانَ المؤمنون يفر أحدهم بدينه إِلى اللَّه، وَإِلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، وأما اليوم فقد أظهر الله الإِسْلامِ، وَالْمؤمن يعبد ربه كيف شاء، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. فهذا بين أن الهجرة منسوخة بعد الفتح إلا أن سقوط فرضها بعد الفتح لا يسقطها عمن هاجر قبل الفتح، فدل أن قوله: (لا هجرة بعد الفتح) ليس على العموم؛ لأن الأمة مجمعة أن من هاجر قبل الفتح أنه يحرم عليه الرجوع إلى وطنه الذى هاجر منه، كما حرم على أهل مكة الرجوع إليها، ووجب عليهم البقاء مع النبى، والتحول معه حيث تحول لنصرته ومؤازرته وصحبته وحفظ شرائعه والتبليغ عنه، وهم الذين استحقوا اسم المهاجرين ومدحوا به دون غيرهم. ألا ترى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) رثى بسعد بن خولة أن مات بمكة فى الأرض التى هاجر منها، ولذلك دعا لهم فقال: (اللهم أمض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم) . وذكر أبو عبيد فى كتاب (الأموال) أن الهجرة كانت على غير أهل مكة من الرغائب ولم تكن فرضًا، يدل على ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) للذى سأله عن الهجرة: (إن شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدى زكاتها؟ قال: نعم. قال: فاعمل من وراء البحار؛ فإن الله لا يترك من عملك شيئًا) ولم يوجب عليه الهجرة. وقيل: إنما كانت الهجرة واجبة إذا أسلم بعض أهل البلد ولم يسلم بعضهم لئلا يجرى على من أسلم أحكام الكفار، فأما إذا أسلم كل من فى الدار فلا هجرة عليهم؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم) لوفد عبد القيس حين أمرهم بما أمرهم به ولم يأمرهم بهجرة أرضهم: (وقد عذر الله المستضعفين من الرجال والنساء الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون

<<  <  ج: ص:  >  >>