فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيحرمونه ويستحلون المحرم، وهذا هو النسىء الذى قال الله تعالى:(إنما النسىء زيادة فى الكفر (الآية، وكان ذلك فى كتابه. والنسىء هو التأخير، ومنه قيل: بعت الشىء بنسيئة. فكانوا يحرمون صفر يريدون به المحرم، ويقولون: هو أحد الصفرين. قال أبو عبيد: وقد تأول بعض الناس فى قوله عليه السلام: (ولا صفر) على هذا، ثم يحتاجون أيضًا إلى تأخير صفر إلى الشهر الذى بعده كحاجتهم إلى تأخير المحرم، فيؤخرون تحريمه إلى ربيع، ثم يمكثون بذلك ما شاء الله، ثم يحتاجون إلى مثله، ثم كذلك، فكذلك يتدافع شهرًا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها، فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذى وصفه الله به، وذلك بعد دهر طويل. وزعم بعض الناس أنهم كانوا يستحلون المحرم عاما، فإذا كان قابل ردوه إلى تحريمه، والتفسير الأول أحب إلى لقوله عليه السلام:(إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض) وليس فى التفسير الأخير استدارة، وعلى هذا الذى فسرناه يكون قوله تعالى: (يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا (مصدقا له؛ لأنهم إذا حرموا فى العام المحرم وفى قابل صفر، ثم احتاجوا بعد ذلك إلى تحليل صفر أيضا أحلوه، وحرموا الذى بعده، فهذا تأويل قوله تعالى: (يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا (