قال المؤلف: ووجه تعلق البخارى من حديث سهل فى الرد على أبى حنيفة هو أن سهلا إنما عرف أصحابه بأنه لم يسق النبى إلا نبيذًا قريب العهد بالانتباذ مما يحل شربه، ألا ترى قوله:(أنقعت له تمرًا فى تور من الليل حتى أصبح عليه فسقته إياه) وكان ينتبذ له عليه السلام ليلا ويشربه غدوة، وينتبذ له غدوة ويشربه عشية، ولو كان بعيد العهد بالانتباذ مما بلغ حد السكر لم يجز أن يسقيه النبى - عليه السلام - ففهم من هذا أن ما بلغ حد السكر من الأنبذة حرام كالمسكر من عصير العنب، وأن من شرب مسكرًا من أى نوع سواء كان معتصرًا أو منتبذًا فإنه يحنث لاجتماعهما فى حدوث السكر، وكونها كلها خمرًا. ووجه استدلاله من حديث سودة: أنهم حبسوا مسك الشاة للانتباذ فيه الذى يجوز لهم شربه غير المسكر، ووقع عليه اسم نبيذ، ولو ذكر حديث أنس حين كسر الجرار من نبيذ التمر كان أقرب للتعلق وأوضح للمعنى، لأنهم لم يكسروا جرار نبيذ التمر المسكر، وهم القدوة فى اللغة والحجة فيها، إلا أن معنى نبيذ التمر المسكر فى معنى عصير العنب المسكر فى التحريم، لأنهم كانوا أتقى لله من أن يتلفوا نعم الله ويهريقوها استخفافًا بها، وقد نهى النبى عن إضاعة المال، ولو كان المسكر غير خمر لجاز ملكه وبيعه وشربه وهبته وكانت إراقته من الفساد فى الأرض.