قيل: كذلك نقول: التصديق فى نفسه لا ينقص إلا أنه لا يتم بغير عمل، إلا لرجل أسلم، ثم مات فى حين إسلامه قبل أن يدرك العمل فهذا معذور، لأنه لم يتوجه إليه فرض الأمر والنهى ولا لزمه. وأما من لزمه فرض الأمر والنهى فلا يتم تصديقه لقوله إلا بفعله. قال الطبرى: ألا ترى أن من وعد عدة، ثم أنجز وعده وحقق بالفعل قوله، أنه يقال: صدق فلان قوله بفعله، فالتصديق يكون بالقلب وباللسان والجوارح، والمعنى الذى يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه المعانى الثلاثة، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه أنه لا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من توحيد ربه أنه غير مستحق اسم مؤمن، وكذلك لو أقر بالله وبرسله ولم يعمل الفرائض مؤمنًا بالإطلاق، وإن كان فى كلام العرب قد يجوز أن يسمى بالتصديق مؤمنًا، فغير مستحق ذلك فى حكم الله، لقوله تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)[الأنفال: ٢ - ٤] ، فأخبر تعالى أن المؤمن على الحقيقة من كانت هذه صفته، دون من قال ولم يعمل وضيع ما أمر به وفرط، والحجة لذلك من السُنَّة أيضًا ما رواه الطبرى، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد المكى، قال: حدثنا عبد السلام بن صالح، قال: حدثنا الرضا على بن موسى، عن جعفر، عن أبيه، عن علىِّ بن حسين، عن أبيه، عن علىِّ بن أبى طالب، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) ، قال: تمت الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وتصديق بالعمل -.