واختلف العلماء فى ذلك، فأخذ قوم بظاهر الحديث، كرهوا أن يبيع الحاضر للبادى، روى ذلك عن أنس وأبى هريرة وابن عمر، وهو قول مالك والليث والشافعى. ورخص فى ذلك آخرون، روى ذلك عن عطاء ومجاهد، وقال مجاهد: إنما نهى رسول الله عن ذلك فى زمانه، فأما اليوم فلا. وهو قول أبى حنيفة وأصحابه، وقالوا: قد عارض هذا الحديث قوله عليه السلام: (الدين النصيحة) لكل مسلم. فيقال لهم:(الدين النصيحة) عام، و (لا يبع حاضر لباد) خاص، والخاص يقضى على العام؛ لأن الخصوص استثناء، كأنه قال عليه السلام: الدين النصيحة إلا أنه لا يبع حاضر لباء. فيستعملان جميعًا، فيستعمل العام منهما فيما عدا الخاص. وقال مالك فى تفسير الحديث: لا أرى أن يبيع الحاضر للبادى ولا لأهل القرى، وأما أهل المدن من أهل الريف فليس بالبيع لهم بأس إلا من كان منهم يشبه أهل البادية فإنى لا أحب أن يبيع لهم حاضر، وقال فى البدوى يقدم المدينة فيسأل الحاضر عن السعر: أكره أن يخبره. وقال مرة أخرى: لا بأس أن يشير عليه. روى عنه ابن القاسم القولين جميعًا. وقال ابن المنذر: قد تأول قوم نهيه عليه السلام أن يبيع حاضر لباد على وجه التأديب لا على معنى التحريم؛ لقوله عليه السلام:(دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) قال: وليس يبين عندى أن هذا الكلام يدل على أنه نهى تأديب، بل هو عندى على الحظر.