وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ وَرَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، [رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ) ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ] ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام:(عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى) ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى النَّبىِّ عَلَيْهِ السَّلاَم؛ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قال المهلب: هذا الجوار كان معروفًا بين العرب، وكان وجوه العرب يجيرون من لجأ إليهم واستجار بهم، وقد أجار أبو طالب النبى - عليه السلام - ولا يكون الجوار إلا من الظلم والعداء، ففى هذا من الفقه أنه إذا خشى المؤمن على نفسه من ظالم أنه مباح له وجائز أن يستجير بمن يمنعه ويحميه من الظلم، وإن كان مجيره كافرًا، إن أراد الأخذ بالرخصة، وإن أراد الأخذ بالشدة على نفسه فله ذلك كما رد أبو بكر الصديق على ابن الدغنة جواره، ورضى بجوار الله وجوار رسوله - عليه السلام - وأبو بكر يومئذ من المستضعفين، فآثر الصبر على ما يناله من أذى المشركين محتسبا على الله وواثقا به، فوفى الله له ما وثق به فيه، ولم ينله مكروه حتى أذن الله لنبيه فى الهجرة، فخرج أبو بكر معه ونجاهم الله - تعالى - من كيد أعدائهما حتى بلغ مراده تعالى من إظهار النبوة وإعلاء الدين، وكان لأبى بكر فى ذلك من الفضل والسبق فى نصرة نبيه وبذل نفسه وماله فى ذلك ما لم يخف مكانه، ولا جهل موضعه. قال أبو على:(قط) تجزم إذا كانت بمعنى التقليل، وتضم وتثقل إذا كانت فى معنى الزمن والحين من الدهر، تقول: لم أر هذا قط،