جازت هبة الماء واللبن غير مقسومين لقلة التشاح فيهما، ولأن العادة قد جرت من الجماعة إذا أكلت أو شربت معًا أنها تجرى فى ذلك على المكارمة، ولا ينقضى بعضهم على بعض، لأن ذلك إنما يوضع للناس على قدر نهمتهم، فمنهم من يكفيه اليسير، ومنهم من يكفيه أكثر منه، إلا أن من استعمل أدب المؤاكلة والمشاربة أولى، وأن لا يستأثر أحدهم بأكثر من نصيب صاحبه. ألا ترى أن مالكًا قد قال: لا يقرن أحد بين تمرتين إلا أن يستأذن أصحابه فى ذلك، لما كان التمر مما يتشاح فيه أكثر من التشاح فى الماء واللبن. وقال المهلب: إنما استأذن النبى - عليه السلام - الغلام فى حديث سهل، ولم يستأذن الأعرابى فى حديث أنس، لأن الأعرابى الذى كان عن يمين النبى - عليه السلام - كان من السادة والمشيخة وكان طرى الهجرة لا علم له بالشرائع، فأعطاه النبى - عليه السلام - ولم يستأذن أبا بكر استئلافًا منه للأعرابى، وتطييبًا لنفسه، وتشريفاُ له، ولم يجعل للغلام تلك المنزلة، لأنه كان من قرابته، وسنه دون سن الأشياخ الذين كانوا على يساره فاستأذنه فى أن يعطيهم بادئًا عليهم، ولئلا يوحشهم بإعطاء ابن عمه وهو صبى ويقدمه عليهم حتى أعلمهم أن ذلك يجب له بالتيامن فى الجلوس، وقيل: إن الغلام: الفضل بن عباس، وقد تقدم فى كتاب الأشربة زيادة فى هذا المعنى.