وكان عبد الله بن جعفر يقوله لحارثة: اذهب فخذ لى بدين، فإنى أكره أن أبيت الليلة إلا والله معى. قال الطبرى: كلا الخبرين صحيح، وليس فى أحدهما دفع معنى الآخر، فأما قوله عليه السلام:(إن الله مع الدائن حتى يقضى دينه ما لم يكن فيما يكره الله) ، فهو المستدين فيما لا يكرهه الله، وهو يريد قضاءه، وعنده فى الأغلب ما يؤديه منه فالله - تعالى - فى عونه على قضائه. وأما المغرم الذى استعاذ منه عليه السلام فإنه الدين الذى استدين على أوجه ثلاثة: إما فيما يكرهه الله ثم لا يجد سبيلاً إلى قضائه، أو مستدين فيما لا يكرهه الله ولكن لا وجه لقضائه عنده، فهو متعرض لهلاك مال أخيه ومتلف له، أو مستدين له إلى القضاء سبيل غير أنه نوى ترك القضاء وعزم على جحده، فهو عاص لربه ظالم لنفسه، فكل هؤلاء لوعدهم إن وعدوا من استدانوا منه القضاء يخلفون، وفى حديثهم كاذبون لوعدهم. وقد صحت الأخبار عنه عليه السلام أنه استدان فى بعض الأحوال، فكان معلومًا بذلك أن الحال التى كره ذلك - عليه السلام - فيها غير الحال التى ترخص لنفسه فيها. وقد استدان السلف: استدان عمر بن الخطاب وهو خليفة، وقال لما طعن: انظروا كم على من الدين، فحسبوه فوجوده ثمانين ألفًا أو أكثر، وكان على الزبير دين عظيم ذكره البخارى. فمما ثبت عن النبى - عليه السلام - وعن السلف من استدانتهم