للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُرَيْجًا، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِى، قَالُوا: نَبْنِى صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لاَ إِلاَ مِنْ طِينٍ) . وذهب الكوفيون والشافعى وأبو ثور إلى أن من هدم حائطا لرجل فإنه يبنى مثله على ظاهر هذا الحديث، واختلف قول مالك فى ذلك، فروى ابن القاسم عنه فى العتبية: فى رجل له خليج يجرى تحت جدار رجل آخر، فجرى السيل فيه فهدمه، قال مالك: أرى أن يقضى يبنيانه على صاحب الخليج الذى أفسد حائط الرجل. وقال فى المدونة: ما انهدم من الربع بيد الغاصب، وإن لم يكن بسببه فعليه قيمته يوم الغصب. وقوله فى مسألة الخليج أشبه بالحديث. قال المهلب: وفى هذا الحديث من الفقه المطالبة بالدعوى، كما طالبت بنو إسرائيل جريجًا بما ادعته المرأة عليه، وفيه استنقاذ عباد الله تعالى لصالح عباده وأوليائه عند جور العامة وأهل الجهل عليهم بآية يريهم الله إياها، فإن كانت عرض فى الإسلام فبكرامة يكرمه الله بها، وسبب يسببه له، لا بخرق عادة، ولا قلب عين، وإنما كانت الآيات فى بنى إسرائيل؛ لأن النبوة كانت ممكنة فيهم غير ممتنعة عليهم. ولا نبى بعد محمد، فليس يجرى من الآيات بعده ما يكون خرقًا ٦١٢ للعادة ولا قلب العين، إنما تكون كرامة لأوليائه مثل: دعوة مجابة، ورؤيا صالحة، وبركة ظاهرة، وفضل بين توفيق من الله إلى الإبرار مما اتهم به الصالحون، وامتحن به المتقون. وفى دعاء أمه عليه وهو فى الصلاة دليل أن دعاء الوالدين إذا كان بنية خالصة أنه قد يجاب، وإن كان فى حال ضجر وحرج ولم يكونا على صواب؛ لأنه قد أجيب دعاء أمه بأن امتحن مع المرأة التى كذبت عليه، إلا أنه تعالى استنقذه بمراعاته لأمر ربه، فابتلاه وعافاه، وكذلك يجب للإنسان أن يراعى أمر ربه ودينه، ويقدمه على أمور دنياه فتحمد عاقبته. وقوله: (فتوضأ وصلى) فيه رد على من قال أن هذه الأمة مخصوصة بالوضوء من بين سائر الأمم، وأنهم يأتون لذلك غرًا محجلين يوم القيامة، فبان بهذا الحديث أن الوضوء كان فى غير هذه الأمة، ووضح أن الذى خصت به هذه الأمة من بين سائر الأمم إنما هو الغرر والتحجيل ليمتازوا بذلك من بين سائر الأمم، وقد جاء فى حديث سارة حين أخذها الكافر من إبراهيم أنها قامت فتوضأت وصلت حتى غط الكافر برجله، ذكره البخارى فى كتاب الإكراه، وقد روى عن الرسول أنه توضأ ثلاثًا وقال: (هذا وضوئى ووضوء الأنبياء قبلى) فثبت بهذا كله أن الوضوء مشروع قبل أمه محمد (صلى الله عليه وسلم) . تم بحمد الله الجزء السادس، ويليه بإذن الله الجزء السابع، وأوله: (كتاب الشركة) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>