وقد قال مالك: لم يكن لبشير مال غير الغلام الذى نحله ابنه. ومن حجة الذين أبطلوا ذلك أن إعطاء بعضهم دون بعض يؤدى إلى قطع الرحم والعقوق، فيجب أن يكون محرمًا ممنوعًا منه؛ لأنه لا يجوز عليه (صلى الله عليه وسلم) أن يحث على صلة الرحم ويجيز ما يؤدى إلى قطعها، قالوا: وقد كان النعمان وقت ما نحله أبوه صغيرًا، وكان أبوه قابضًا له لصغره عن القبض، فلما قال له، عَلَيْهِ السَّلام: اردده، بعدما كان فى حكم ما قبض، دل على أن النحل لبعض ولده لا ينعقد ولا يملكه المنحول. قال الطحاوى: ومن حجة الذين أجازوا التفضيل أن حديث النعمان لا دليل فيه على أنه كان حينئذ صغيرًا، ولعله كان كبيرًا لم يكن قبضه، وقد روى الحديث على غير هذا المعنى، روى داود بن أبى هند، عن الشعبى، عن النعمان، أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، قال:(أكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟) ، قال: لا، قال:(أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟) ، قال: بلى، قال:(فأشهد على هذا غيرى) ، فهذا خلاف ما فى الحديث الأول، وهذا القول لا يدل على فساد العقد الذى عقد للنعمان؛ لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) قد يتوقى فى الشهادة على ماله أن يشهد عليه. وقوله:(أشهد على هذا غيرى) ، دليل على صحة العقد، وقد أمر النبى (صلى الله عليه وسلم) بالتسوية بينهم ليستووا جميعًا فى البر، وليس فى شىء من هذا فساد العقد على التفضيل، فكان كلام النبى (صلى الله عليه وسلم) إياه على طريق المشورة، وعلى ما ينبغى أن يفعل عليه الشىء إن آثر فعله.