أما كيف يقبض المتاع والهبات عند جماعة العلماء، فبإسلام الواهب لها إلى الموهوب له، وحيازة الموهوب له، كركوب ابن عمر الجمل، كإعطاء النبى (صلى الله عليه وسلم) القباء لمخرمة وتلفيه بإزاره، وذكر البخارى فى كتاب الجهاد أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، أهديت إليه أقبية من ديباج مزررة بالذهب، فقسمها بين أصحابه، وعزل منها واحدًا لمخرمة، فجاء مخرمة إلى النبى، عَلَيْهِ السَّلام، فسمع صوته فتلقاه به، واستقبله بإزراره، فقال: يا أبا المسور، خبأت لك هذا، مرتين، وكان فى خلقه شدة. وفى هذا من الفقه الاستئلاف لأهل اللسانة وغيرهم. وقد اختلف العلماء فى الهبات، هل من شرطها الحيازة أم لا؟ فقالت طائفة: من شرطها الحيازة لا تتم إلا بالقبض. روى هذا عن أبى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وابن عباس، وابن عمر، ومعاذ بن جبل، وشريح، ومسروق، والشعبى، وإليه ذهب الثورى، والكوفيون، والشافعى، وقالوا: ليس للموهوب له مطالبة الواهب بتسليمها إليه؛ لأنه ما لم تقبض عدة وعده بها يحسن الوفاء بها ولا يقضى بها عليه. وقالت طائفة: تصح الهبة بالكلام دون القبض، كالبيع تنعقد بالكلام، روى هذا عن على وابن مسعود، وعن الحسن البصرى، والنخعى، وبه قال مالك، وأحمد، وأبو ثور، إلا أن أحمد وأبا ثور قالا: للموهوب له المطالبة بها فى حياة الواهب، فإن مات الواهب بطلت الهبة. ومن حجة أهل المقالة الأولى: أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، قال