للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد بقوله: وكيف تعرف توبته. . . إلى آخر الكلام الاحتجاج لقول مالك أنه ليس من شرط توبة القاذف تكذيب النفس وتخطئتها، والرد على الشافعى؛ فإنه زعم أن ذلك من شرط التوبة، ووجه الحجة لذلك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) بعث معلمًا للناس، وأمرهم بالتوبة من ذنوبهم، ولم يأمرهم بأن يستهلوا بأنهم على معاصى الله، بل قد أمر النبى (صلى الله عليه وسلم) من أتى معصية ألا يتحدث بها ولا يفشيها. واستدل البخارى أن القاذف يكون تائبًا بصلاح الحال، دون إكذابه لنفسه واعترافه أنه عصى الله أو خالف أمره بلسانه؛ حين لم يشترط ذلك على الزانى فى مدة تغريبه، ولا كعب بن مالك وصاحبيه فى الخمسين ليلة، فإن زعم الشافعى أن توبة القاذف كانت مخصوصة بذلك؛ كلف الدليل عليه من كتاب أو سنة، أو إجماع أو قياس صحيح. وإنما أدخل البخارى حديث عائشة فى هذا الباب لقولها فى التى سرقت: (فحسنت توبتها) لأن فيه دليلاً أن السارق إذا تاب وحسنت حاله قبلت شهادته، وكذلك حديث زيد بن خالد أن النبى (صلى الله عليه وسلم) جعل حد الزانى جلد مائة وتغريب عام، ولم يشترط عليه (صلى الله عليه وسلم) بعد الحد والتغريب، إن تاب ألا تقبل شهادته، ولو كان ذلك شرطًا لذكره (صلى الله عليه وسلم) . وإنما ذكر قول الثورى وأبى حنيفة؛ ليلزمها التناقض فى قولهما أن القاذف لا تجوز شهادته، وهم يجيزونها فى مواضع، وأجاز الثورى شهادة العبد إذا جلد قبل العتق وهذا تناقض؛ لأن من قذف فقد فسق، وليس العتق توبة، وهو لو قذف بعد العتق وتاب لم تجز شهادته عنده، وكذلك أجاز قضايا المحدود فى القذف وهذا تناقض،

<<  <  ج: ص:  >  >>