نصحهم النبى (صلى الله عليه وسلم) لما فهم عن الله فى حبس الناقة أنهم سيدخلون فى الإسلام، فأراد أن يجعل بينهم مدة يقلب الله فيها قلوبهم، وفى لين قول بديل وعروة لقريش دليل على أنهم كانوا أهل إصغاء إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) وميل إليه كما قال فى الحديث. وقول عروة للنبى:(أرأيت إن استأصلت قومك) دليل على أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يومئذ فى جمع يخاف منه عروة على أهل مكة الاستئصال لو قاتلهم. وخوف عروة إن دارت الدائرة فى الحرب عليه أن يفر عنه من تبعه من أخلاط الناس؛ لأن القبائل إذا كانت متميزة لم يفر بعضها عن بعض حتى إذا كانت أخلاطًا فر كل واحد ولم ير على نفسه عارًا، والقبيلة بأصلها ترى العار وتخافه، ولم يعلم عروة أن الذى عقده الله بين قلوب المؤمنين من محض الإيمان فوق ما تعتقده القرابات لقراباتهم؛ فلذلك قال له أبو بكر:(امصص بظر اللات) وهكذا يجب أن يجاوب من جفا على سروات الناس وأفاضلهم ورماهم بالفرار. وقوله:(لم أجزك بها) ، يدل على أن الأيادى تجب على أهل الوفاء مجازاتها والمعاوضة عليها. وقوله:(فكلما أخذ بلحيته) يعنى: على ما جرت به عادة العرب عند مخاطبتها لرؤسائها فإنهم يمسون لحاهم ويصافحونهم، يريدون التحبب إليهم والتبرك بتناولهم، وقد حكى عن بعض العجم أنهم يفعلون ذلك أيضًا، فلما أكثر عروة من فعله ذلك رأى المغيرة أن منزلة النبوة مباينة لمنازل الناس، وأنها لا تحتمل هذا العمل لما يلزم من توقير النبى (صلى الله عليه وسلم) وإجلاله.