وقال مالك: إذا أذنوا له فى صحته فلهم أن يرجعوا، وإن أذنوا له فى مرضه وحين يحجب عن ماله، فذلك جائز عليهم. وهو قول إسحاق. وحجة القول الأول أن المنع إنما وقع من أجل الورثة، فإذا أجازوا جاز وصار بمنزلة أن يجب لهم على إنسان مال فيبرئوه منه. وقد اتفقوا أنه إذا أوصى بأكثر من الثلث لأجنبى جاز بإجازتهم، فكذلك هذا. وحجة الذين رأوا فيه الرجوع أنهم أجازوا شيئًا لم يملكوه فى ذلك الوقت، وإنما يملك المال بعد وفاته، وقد يموت الوارث المستأذن قبله، ولا يكون وارثًا وقد يرثه غيره، وقد أجاز من لا حق له فيه فلا يلزمه شىء منه. وحجة مالك أن الرجل إذا كان صحيحًا فهو أحق بماله كله يصنع فيه ما شاء، فإذا أذنوا له فى صحته فقد تركوا شيئًا لم يجب لهم، وذلك بمنزلة الشفيع يترك شفعته قبل البيع، أو الولى إذا عفا عمن سيقتل وليه، فتركه لما لم يجب له غير لازم، فإذا أذنوا له فى مرضه فقد تركوا ما وجب لهم من الحق، فليس لهم أن يرجعوا فيه إذا كان قد أنفذه؛ لأنه قد فات، فإن لم ينفذ المريض ذلك كان للوارث الرجوع فيه؛ لأنه لم يفت بالتنفيذ قاله الأبهرى. وذكر ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قول مالك فى هذه المسألة أشبه بالسنن من غيره، قال ابن المنذر: واتفق مالك والثورى والكوفيون والشافعى وأبو ثور أنهم؛ إذا أجازوا ذلك بعد وفاته لزمهم.