ذلك؛ لأنه كالمضطر ويضمن الآمر، ولا ضمان على المأمور، فإن أبى أن يأخذ حتى قتله كان عندنا فى سعة. فيقال لهم: هذا مال مسلم قد أحللتموه بالإكراه؛ فلم لا يسعه ترك أكل الميتة حتى يقتل كما وسعه أخذ مال المسلم فى الإكراه حتى يقتل. قال المؤلف: وحديث خباب حجة لأصحاب مالك؛ لوصفه (صلى الله عليه وسلم) عن الأمم السالفة من كان يمشط لحمه بأمشاط الحديد، ويشق بالمناشر بالشدة فى دينه والصبر على المكروه فى ذات الله، ولم يكفروا فى الظاهر ويبطنوا الإيمان، ليدفعوا العذاب عن أنفسهم؛ فمدحهم، وكذلك حديث أنس سوى فيه النبى (صلى الله عليه وسلم) بين كراهية المؤمن الكفر وكراهيته لدخول النار، وإذا كان هذا حقيقة الإيمان، فلا مخالفة أن الضرب والهوان والقتل عند المؤمن أسهل من دخول النار، فينبغى أن يكون ذلك أسهل من الكفر إن اختار الأخذ بالشدة على نفسه. قال المهلب: وقد اعترض هذا قوم بقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا)[النساء: ٢٩] ولا حجة لهم فى الآية؛ لقوله تعالى:(ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا)[النساء: ٣] والعدوان والظلم محرمان، وليس من أهلك نفسه فى طاعة الله بعاد ولا ظالم، ولو كان كما قالوا لما جاز لأحد أن يقتحم المهالك فى الجهاد، وقد افترض على كل مسلم مقارعة رجلين من الكفار ومبارزتهما، وهذا من أبين المهلكات والغرر. ومن فر من اثنين فقد أكبر المعصية وتعرض لغضب الله. وقول خباب للنبى (صلى الله عليه وسلم) : (ألا تدعو الله أن يكفينا) يعنى عدوان الكفار عليهم بمكة قبل هجرتهم وضربهم لهم وإيثاقهم بالحديد.