للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ كُنْتَ صَادِقًا. ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّى أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلانِى اللَّهُ، فَيَأْتِى فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِى، أَفَلا جَلَسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلا لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. . .) الحديث. قال المهلب: حيلة العامل ليهدى إليه إنما تكون بأن يضع من حقوق المسلمين فى سعايته ما يعوضه من أجله الموضوع له، فكأن الحيلة إنما هى أن وضع من حقوق المسلمين ليستجزل لنفسه، فاستدل النبى (صلى الله عليه وسلم) على أن الهدية لم تكن للمعوض فقال: فهلا جلس فى بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا. فغلب الظن وأوجب أخذ الهدية وضمها إلى أموال المسلمين. قال غيره: وهذا الحديث يدل أن ما أهدى إلى العامل فى عمالته والأمير فى إمارته شكرًا لمعروف صنعه أو تحببًا إليه أنه فى ذلك كله كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه؛ لأنه بولايته عليهم نال ذلك، فإن استأثر به فهو سحت، والسحت كل ما يأخذه العامل والحاكم على إبطال حق أو تحقيق باطل وكذلك ما يأخذه على القضاء بالحق. وقد روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (هدايا الأمراء غلول) والغلول معلوم أنه للموجفين ولم يكن معهم، وعلى هذا التأويل كانت مقاسمة عمر بن الخطاب لعماله على طريق الاجتهاد لأنهم خلطوا ما يجب لهم فى عمالتهم بأرباح تجاراتهم وسهمانهم فى الفئ، فلما لم يقف عمر على مبلغ ذلك حقيقة أداه اجتهاده إلى أن يأخذ منهم نصف ذلك. وقد روى عن بعض السلف أنه قال: ما عدا من تجر فى رعيته. وقد فعله عمر، رضى الله عنه، أيضًا فى المال الذى دفعه أبو موسى الأشعرى بالعراق من مال الله إلى ابنيه عبد الله وعبيد الله، أراد عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>