فَقَالَ:(أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأقْدَامَ بَعْضُهَا لَمِنْ بَعْضٍ) . / ٤٢ - وقال مرةً:(عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) . فى هذا الحديث إثبات الحكم بالقافة، وممن قال بذلك أنس بن مالك، وهذا أصح الروايتين عن عمر، وبه قال عطاء، وإليه ذهب مالك والأوزاعى والليث والشافعى وأحمد وأبو ثور. وقال الثورى وأبو حنيفة وأصحابه: الحكم بالقافة باطل وذلك تخرص وحدس لا يجوز ذلك فى الشريعة قالوا وليس فى حديث أسامة حجة فى إثبات الحكم بالقافة؛ لأن أسامة قد كان ثبت نسبه قبل فلم يحتج النبى (صلى الله عليه وسلم) فى ذلك إلى قول أحد ولولا ذلك لما كان دعا أسامة فيما تقدم إلى زيد. وإنما تعجب من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذى يصيب بظنه حقيقة الشىء ولا يجب الحكم بذلك، وترك الإنكار عليه لأنه لم يتعاط بقوله إثبات ما لم يكن ثابتًا فيما تقدم. هذا وجه الحديث، قاله الطحاوى. وقال أهل المقالة الأولى: لو كان قول مجزز على جهة الحدس والظن وعلى غير سبيل الحق والقطع بالصحة لأنكر ذلك النبى (صلى الله عليه وسلم) على مجزز، ولقال له وما يدريك، ولم يسر النبى (صلى الله عليه وسلم) بذلك؛ لأنه ليس من صفته أن يسر بأمر باطل عنده لا يسوغ فى شريعته، وكان أسامة أسود وكان زيد أبيض فكان المشركون يطعنون فى نسبه، وكان يشق ذلك على النبى (صلى الله عليه وسلم) فسر بذلك لمكانهما منه.