مع مرور الزمن، ووجود الجاهلين السبيل إلى التأويل بغير علم فيضلوا ويضلوا كما قال (صلى الله عليه وسلم) . وقوله:(كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) أى كفر حق ونعمة. وقوله:(لا تطرونى) عرفهم ما خشى عليهم جهله، والغلو فيه كما صنعت النصارى فى قولهم لعيسى أنه ابن الله عز وجل. وقولهم:(إن بيعة أبى بكر كانت فلتة) وقول عمر: إنها كانت كذلك فلتة. فقال أبو عبيد: معنى الفلتة الفجأة، وإنما كانت كذلك، لأنها لم ينتظر بها العوام، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب محمد من المهاجرين وعامة الأنصار إلا تلك الطيرة التى كانت من بعضهم ثم أضعفوا له كافتهم أنه ليس لأبى بكر منازع، ولا شريك فى الفضل، ولم يكن يحتاج فى أمره إلى نظر ولا مشاورة فلهذا كانت فلتة وقى الله بها الإسلام وأهله شرها. وقال الكرابيسى: فى قولهم (كانت فلتة) لأنهم تفلتوا فى ذهابهم إلى الأنصار وبايعوا أبا بكر فى حضرتهم وفيهم من لا يعرف ما يجب عليه، فقال قائل منهم:(منا أمير ومنكم أمير) وقد ثبت عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أن الخلافة فى قريش فإما بايعناهم على ما يجوز لنا، وإما قاتلناهم على ذلك فهى الفلتة. ألا ترى قول عمر:(والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من بيعة أبى بكر، ولأن أقدم فيضرب عنقى أحب إلىَّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر) فهذا يدل أن قول عمر: (كانت فلتة) لم يرد مبايعة أبى بكر، وإنما أراد ما وصفه الأنصار عليهم، وما كان من أمر سعد بن عبادة وقومه.