وقال إسماعيل فى قول من قال: فإذا أحصنّ: أسلمن بعد؛ لأن ذكر الأيمان قد تقدم لهن فى قوله:(من فتياتكم المؤمنات)[النساء: ٢٥] فيبعد أن يقال: من فتياتكم المؤمنات، فإذا آمنّ، ويجوز فى كلام الناس على بعده فى التكرير، وأمر القرآن ينزل على أحسن وجوهه وأبينها. وأما قول من قال: فإذا أحصن: تزوجن، فلا حد على الأمة حتى تزوج، فإنهم ذهبوا فى ذلك إلى ظاهر القرآن، وأحسبهم لم يعلموا هذا الحديث:(أن النبى (صلى الله عليه وسلم) سُئل عن الأمة إذا زنت، ولم تحصن. فقال: اجلدوها) فالأمر عندنا أن الأمة إذا زنت، وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله، وهو قوله:(فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)[النساء: ٢٥] وإذا زنت قبل أن تحصن مجلودة بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المذكور فى هذا الباب، وإنما استوى الإحصان فيها وغير الإحصان والله أعلم؛ لأنه جعل عليها إذا زنت نصف ما على الحرائر من العذاب، وكان عذاب الحرائر فى الزنا فى موضع، والجلد فى موضع فلما جعل ما على الأمة نصف ما على الحرة من العذاب؛ علمنا أن العذاب الذى ينتصف هو الجلد؛ لأن الجلد يكون له نصف، والرجم لا يكون له نصف. وزعم أهل المقالة الأولى أنه لم يقل فى هذا الحديث:(ولم تحصن) غير مالك، وليس كما زعموا، وقد رواه يحيى بن سعيد، عن ابن شهاب كما رواه مالك، ورواه كذلك أيضًا طائفة عن ابن عيينة، عن الزهرى، وإذا اتفق مالك ويحيى بن سعيد وابن عيينة فهو حجة على من خالفهم، وسيأتى ما بقى من معانى هذا الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى.