الصدقة للفقراء والمساكين، ولا تؤدى فى الديات، فما وجه تأديتها عن اليهود؟ فالجواب: أن رواية من روى: (فوداه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من عنده) تفسير رواية من روى: (دفع من إبل الصدقة) وذلك أن الرسول لما عرض الحكم فى القسامة على ولاة الدم بأن يحلفوا ويستحقوا الدم من اليمين ثم نفلهم إلى أن تحلف لهم يهود ويبرءوا من المطالبة بالدم. قالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار، وتعذر إنفاذ الحكم، خشى (صلى الله عليه وسلم) أن يبقى فى نفوس الأنصار ما تتقى عاقبته من مطالبتهم لليهود بعد حين، فرأى (صلى الله عليه وسلم) من المصلحة أن يقطع ذلك بينهم ووداه من عنده وتسلف ذلك من إبل الصدقة حتى يؤديها مما أفاء الله عليه من خمس المغنم؛ لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يجتمع عنده مما يصير له فى سهمانه من الإبل ما يبلغ مائة لإعطائه لها وتفريقها على أهل الحاجة لقوله: (ما لى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس وهو مردود إليكم) فمن روى (من إبل الصدقة) أخبر عن ظاهر الأمر ولم يعلم باطنه، والذى روى (من عنده) علم وجه القصة وباطنها، فلم يذكر إبل الصدقة، وكان فى غرم النبى لها صلحًا عن اليهود وجهان من المصلحة: أحدهما: أنه عوض أولياء المقتول دية قتيلهم، فسكن بذلك بعض ما فى نفوسهم وقطع العداوة بينهم وبين اليهود. والثانى: أنه استألف اليهود بذلك، وكان حريصًا على إيمانهم.