قال أبو عبيد: لم يرح رائحة الجنة، ويُرِحْ ويَرَحْ من أرحت، قال أبو حنيفة: أرحت الرائحة وأرحتها ورحتها إذا وجدتها. فإن قال قائل: مامعنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا) وقد روى شعبة، عن الحكم بن عتيبة، سمعت مجاهدًا يحدث عن عبد الله بن عمرو، عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (من ادعى إلى غير أبيه لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من قدر مسيرة سبعين عامًا) وقد جاء حديث فى الموطأ: (كاسيات عاريات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام) فما وجه اختلاف المدد فى وجود ريح الجنة؟ قيل: يحتمل والله أعلم أن تكون الأربعون هى أقصى أشد العمر فى قول أكثر أهل العلم، فإذا بلغها ابن آدم زاد عمله ويقينه، واستحكمت بصيرته فى الخشوع لله والتذلل له، والندم على ما سلف له، فكأنه وجد ريح الجنة التى تبعثه على الطاعة وتمكن من قلبه الأفعال الموصلة إلى الجنة، فبهذا وجد ريح الجنة على مسيرة أربعين عامًا. وأما السبعون فإنها آخر المعترك، وهى أعلى منزلة من الأربعين فى الاستبصار، ويعرض للمرء عندها من الخشية والندم لاقتراب أجله ما لم يعرض له قبل ذلك، وتزداد طاعته بتوفيق الله، فيجد ريح الجنة على مسيرة سبعين عامًا. وأما وجه الخمسمائة عام فهى فترة ما بين نبى ونبى، فيكون من