فى غير هاتين الآيتين، وهما مدنيتان، ومعلوم أن غسل الجنابة لم يفترض قبل الوضوء، كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن الصلاة فرضت بمكة، والغسل من الجنابة، وأنه لم يصلِّ قط إلا بوضوء مثل وضوئه بالمدينة، ونزلت آية الوضوء، ليكون فرضها التقدم متلوا فى التنزيل، فقولهم: تمت نزلت آية التيمم -، ولم يذكر الوضوء يدل أن الذى طرأ عليهم من العلم فى ذلك حكم التيمم لا حكم الوضوء، وذلك رفق من الله بعباده أن أباح لهم التيمم بالصعيد عند عدم الماء، وكذلك قال أسيد بن الحضير: تمت ما هى بأول بركتكم يا آل أبى بكر -. قال المهلب: وقوله (صلى الله عليه وسلم) : تمت جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا -، والذى خُصَّ به من ذلك (صلى الله عليه وسلم) أن جعلت طهورًا للتيمم، ولم يكن ذلك للأنبياء قبله، وأما كونها مسجدًا، فلم يأت فى أثر أنها منعت من غيره، وقد كان عيسى (صلى الله عليه وسلم) يسيح فى الأرض ويصلى حيث أدركته الصلاة، فكأنه قال (صلى الله عليه وسلم) : جعلت لى الأرض مسجدً وطهورًا، وجعلت لغيرى مسجدًا، ولم تجعل له طهورًا. وفى قوله: تمت فأيما رجل أدركته الصلاة، فليصل -، يعنى يتيمم ويصلى، دليل على تيمم الحضرى إذا عُدم الماء، وخاف فوت الصلاة. وفيه: ما خصه الله تعالى به من الشفاعة، ويدل أنه لا يشفع فى أحد يوم القيامة إلا شُفِّع فيه.