في هذين الحديثين أدب عظيم من أدب افسلام، وحض الرفق بالجاهل والصفح والإغضاء عنه؛ لأن الرسول عليه السلام ترك مقابلة اليهود بمثل قولهم، ونهى عائشة من الإغلاط فى ردها، وقال: مهلا ياعائشة، إن الله يحب الرفق فى جميع الأمور؛ لعموم قوله:(إن الله يحب الرفق فى الأمر كله) وإن كان الانتصار بمثل ماقوبل به المرء جائز لقوله تعالى: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ماعليهم من سبيل) فالصبر أعظم أجرًا وأعلى درجة لقوله تعالى: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) والصبر أخلاق النبيين والصالحين، فيجب امتثال طريقتهم والتآسى بهم وقرع النفس عن المغالبة رجاء ثواب الله على ذلك وكذلك رفق النبى بالأعرابى الجاهل حين بال فى المسجد المعظم الذى الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وأمر أن لايهاج حتى يفرغ من بوله تأنيسًا له ورفقًا به، فدل ذلك على استعمال الرفق بالجاهل - فإنه بخلاف العالم - وترك اللوم له والنثريب عليه. وقال أبو عبيد: قال الأصمعى: الإزرام: القطع، يقال للرجل إذا قطع بوله: قد أزرمت بولك، وأزرمه غيره: قطعه، وزرم البول نفسه. قال الشاعر: أو كماء المثود بعد جمام زرم الدمع لايئوب نزورا والمثمود: الذى قد ثمده الناس أى: ذهبوا به فلم يبق منه إلا قليل، والجمام: الكثير.