يحويه مكان، ولايحيط به موضع، ولاتقع عليه الحدود، والعرب تقول: فلان قريب من فلان يريدون قرب المنزلة وعلو الدرجة عنده. وأما قوله:(فيضع الجبار عليه كنفه) فإنه يبين ما أشرنا اليه فى معنى الدنو أنه على تأويل قرب المنزلة والدرجة، وذلك أن لفظ الكنف إنما يستعمل فى مثل هذا المعنى، ألا ترى أنه يقال: أنا فى كنف فلان إذا أراد أن يعرف إسباغ فضله عليه وتوقيره عنده. وقال مهلب: عبر عليه السلام بالكنف عن ترك إظهار جرمه للملائكة وغيرهم بإدامة الستر الذى منّ به على العبد فى الدنيا، وجعله سببًا لمغرفته له فى الآخرة، ودليلاً للمذنب على عفوه، وتنبيهًا له على نعمة الخلاص من فضيحة الدنيا وعقوبة الآخرة التى هى اشد من عقوبة الدنيا، لقوله تعالى:(ولعذاب الآخرة أشد وأبقي) فيشكر ربه ويذكر وهذا الحديث كقوله تعالى: (إن رحمتى سبقت غضبى) لأن تأخير غضبه عنه عند مجاهرة ربه بالمعصية، وهو يعلم أنه لاتخفى عنه خافية مما يعلم بصحيح النظر أنه لم يؤخر عقوبته عنه لعجز عن إنفاذها عليه إلا لرحمته التى حكم لها بالسبق لغضبه؛ إذ ليس من صفة رحمته التى وسعت كل شىء أن تسبق فى الدنيا بالستر من الفضيحة ويسبقها الغضب فى ذلك الذنب فى الآخرة، فإذا لم يكن بد من تغليب الرحمة على الغضب فليبشر المذنبون المستترون بسعة رحمة الله، وليحذر المجاهرون بالمعاصى من وعيد الله النافذ على من شاء من عباده. وفى قوله تعالى:(سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)