وقال بعض العلماء: وقد ظن من لم ينعم النظر أن المدارة هى المداهنة، وذلك غلط، لأن المدارة مندوب اليها والمداهنة محرمة، والفرق بينهما بين، وذلك أن المادهنة اشتق اسمها من الدهان الذى يظهر على ظواهر الشياء ويستر بواطنها، وفسرها العلماء فقالوا: المداهنة هى أن يلقى الفاسق المظر فيؤالفه ويؤاكله، ويشاربه، ويى أفعاله المنكرة ويريه الرضا بها ولاينكرها عليه ولو بقلبه وهو اضعف الإيمان، فهذه المداهنة التى برأ الله عز وجل منها نبيه عليه السلام بقوله:(ودوا لوتدهن فيدهنون) . والمدارة هى الرفق بالجاهل الذى يستتر بالمعاصى ولايجاهر بالكبائر، والمعاطفة فى رد أهل الباطل إلى مراد الله بلين ولطف حتى يرجعوا عما هم عليه. فإن قال قائل: فأين أنت فى قولك هذا من فعل النبى عليه السلام حين دخل عليه المنافق فقال عند دخوله: (بئس ابن العشيرة) ثم حدثه وأثنى عليه شرًا عند خروجه؟ . قيل له: إن رسول الله كان مأمورًا بأن لا يحكم على أحد إلا بما ظهر منه للناس لا بما يعلمه دون غيره، وكان المنافقون لا يظهرون له إلا التصديق والطاعة، فكان الواجب عليه أن لا يعاملهم إلا بمثل ما أظهروا له، إذ لو حكم بعلمه فى شىء من الأشياء لكانت سنة كل حاكم أن يحكم بما أطلع عليه فيكون شاهدًا وحاكمًا، والأمة مجمعة أنه لا يجوز ذلك، وقد قال عليه السلام فى المنافقين:(أولئك الذى نهانى الله عن قتلهم) .