ليس من المؤمنين أحد يؤمن بالغيوب وبخلق السموات والأرض إلا وقد يجهل الكيفية، وذلك لايقدح فى إيمانه. فضرب الله تعالى مثلا لإبراهيم من نفسه فقال له:(خذ اربعة من الطير) الآية. فكما أحيى هذه الطير عن دعوتك، فكذلك أحيى أهل السموات والأرض عن نفخه الصور (وأعلم أن الله عزيز حكيم) عزيز فى صنائعه إذ صنائعه له عن مباشرة إلا عن قوله: كن، وماسواه من الصانعين فلا يتم له صنع إلا بمباشرة، وفى ذلك ذله ومفارقة للعزة، حكيم: أى فى أفعاله وإن كان بائنًا عنها، والصانع إذا بان من صنعته تختل أفعاله إذا كان بائنًا. قال ابن قتيبة: وقوله: (يرحم الله لوطًا إن كان ليأوى إلى ركن شديد) فإنه أراد قوله لقومه: (لو أن لى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) وفى الوقت الذى ضاق فيه صدره واشتد جزعه بنا دهمه من قومه، وهو يأوى إلى الله تعالى اشد اركان، قالووا: فما بعث الله تعالى نبيًا بعد لوط إلا فى ثروة من قومه. قال غير ابن قتيبة: ولايخرج هذا لوطًا من صفات المتوكلين على الله الواثقين بتأيده ونصره، لكن لوطًا - عليه السلام أثار منه الغضب فى ذات الله مايثير من البشر، فكان ظاهر قول لوط كأنه خارج عن التوكل، وإن كان مقصده مقصد المتوكلين فنبه النبى على ظاهر قول لوط تنبيه على ظاهر قول إبراهيم، وإن كان مقصده غير الشك لأنهم كانوا صفوة الله المخصوصين بغاية الكرامة