المسلمون جعله نكثًا منه وحرصًا على الدنيا، وهو فى هذه أقوى رأيًا منه فى الأولى، وكذلك القراء بالبصرة؛ لأنه كان رحمه الله لا يرى الفتنة فى الإسلام أصلا، فكان يرى أن يترك صاحب الحق حقه لمن نازعه فيه لأنه مأجور فى ذلك، وممدوح بالإيثار على نفسه، وكان يريد من المقاتل له أن يقتحم النار فى قيامه وتفريقه الجماعة وتشتيته الكلمة، ولا يكون سببًا لسفك الدماء واستباحة الحرم أخذًا بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار) فلم ير القتال البتة. وأما حديث حذيفة وقوله:(إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبى (صلى الله عليه وسلم)) لأنهم كانوا يسرون قولهم فلا يتعدّى شرهم إلى غيرهم، وأما اليوم فإنهم يجهرون بالنفاق ويعلنون بالخروج على الجماعة ويورثون بينهم ويحزبونهم أحزابًا، فهم اليوم شر منهم حين لا يضرون بما يسرونه. ووجه موافقته للترجمة أن المنافقين بالجهر وإشهار السلاح على الناس هو القول بخلاف ما قالوه حين دخلوا فى بيعة من بايعوه من الأئمة؛ لأنه لا يجوز أن يتخلف عن بيعة من بايعه الجماعة ساعة من الدهر؛ لأنها ساعة جاهليّة، ولا جاهليّة فى الإسلام، وقد قال تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا)[آل عمران: ١٠٣] فالتفرق محرّم فى الإسلام وهو الخروج عن طاعة الأئمة. وأما قول أبى برزة واحتسابه سخطه على أحياء قريش عند الله، فكأنه قال: اللهم إنى لا أرضى ما تصنع قريش من التقاتل على الخلافة، فاعلم ذلك من نيتى، وأنى أسخط فعلهم واستباحتهم للدماء