للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المؤلف: فإن قيل: ما معنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (لكل نبى دعوة مستجابة) . وقد قال الله تعالى للناس كافة: (ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: ٦٠] فعم كل الدعاء، وهذا وعد من الله لعباده وهو لا يخلف الميعاد، وإنما خصّ كل نبى بدعوة واحدة مستجابة، فأين فضل درجة النبوة؟ قيل: ليس الأمر كما ظننت، ولا يدل قوله تعالى: (ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: ٦٠] على أن كل دعاء مستجاب لداعيه، وقد قال قتادة: إنما يستجاب من الدعاء ما وافق القدر. وليس قوله: (لكل نبى دعوة مستجابة) . مما يدل أنه لا يستجاب للأنبياء غير دعوة واحدة، وقد ثبت عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه أجيبت دعوته فى المشركين حين دعا عليهم بسبع كسبع يوسف، ودعا على صناديد قريش المعاندين له، فقتلوا يوم بدر، وغير ذلك مما يكثر إحصاؤه مما أجيب من دعائه، بل لم يبلغنا أنه رُد من دعائه (صلى الله عليه وسلم) إلا سؤاله أن لا يجعل الله بأس أمته بينهم خاصةً، لما سبق فى أم الكتاب من كون ذلك، قال تعالى: (وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة: ٢٥٣] . ومعنى قوله: (لكل نبى دعوة مستجابة) . يريد أن لكل نبى عند الله من رفيع الدرجة وكرامة المنزلة أن جعل له أن يدعوه فيما أحبّ من الأمور ويبلغه أمنيته، فيدعو فى ذلك وهو عالم بإجابة الله له على ما ثبت عنه: (أن جبريل قال له: يا محمد، إن أردت أن يحول الله لك جبال تهامة ذهبًا فعل) . وخيَّره بين أن يكون نبيًا عبدًا وبين أن يكون نبيًا ملكًا، فاختار الآخرة على الدنيا، وليست هذه الدرجة لأحد من الناس، وإنما أمروا بالدعاء راجين الإجابة غير قاطعين عليها؛ ليقفوا تحت الرجاء والخوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>