فإن قال: فقد جعلت للداعى رفع يديه فى كل حال فما أنت قائل فيما روى يزيد بن زريع، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، أن أنس بن مالك حدثه:(أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان لا يرفع يديه فى شىء من الدعاء إلا عند الاستسقاء، فأنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه. قيل: قد روى ابن جريج، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لا ترفع الأيدى إلا فى سبعة مواطن فى بدء الصلاة، وإذا رأيت البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة، وبجمع، وعند الجمرتين) . وهذا مخالف لحديث سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، وقد ثبت عن النبى (صلى الله عليه وسلم) رفع الأيدى فى الدعاء مطلقًا من وجوه. منها: حديث أبى موسى وابن عمر وأنس من طرق أثبت من حديث سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أنس، وذلك أن سعيد بن أبى عروبة كان قد تغير عقله وحاله فى آخر عمره، وقد خالفه شعبة قى روايته عن قتادة، عن أنس فقال فيه:(كان رسول الله يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه) . ولا شك أن شعبة أثبت من سعيد بن أبى عروبة. وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا ابن أبى عدى عن جعفر بن ميمون صاحب الأنماط عن أبى عثمان، عن سلمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (إن ربكم حيى كريم يستحى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا) . فإن قيل: قد روى عن عطاء وجابر وطاوس ومجاهد أنهم كرهوا رفع الأيدى فى دبر الصلاة قائمًا. قيل: يمكن أن يكون ذلك إذا لم ينزل بالمسلمين نازلة يحتاجوا معها إلى الاستعانة إلى الله تعالى بالتضرع والاستكانة، فالقول كما قال عطاء وطاوس ومجاهد، وإن نزلت بهم نازلة احتاجوا معها إلى الاستعانة إلى الله بالتضرع والاستكانة لكشفها عنهم، فرفع الأيدى عند مالك حسن وجميل.