يكون عالةً ولا عيالاً على غيره ما متّع بصحة جوارحه وعقله، وكذلك الجبن مهانة فى النفس وذلة، ولا ينبغى للمؤمن أن يكون ذليلاً بالإيمان ولزوم طاعة الله التى تؤدى إلى النعيم المقيم، فينبغى للمؤمن أن يكثر التعوّذ من ذلك والهرم هو أرذل العمر الذى ينتهى بصاحبه إلى الخوف وذهاب العقل، فيعود العالم جاهلاً ويصير إلى حال من لا تمييز له، ولا يقدر على أداء ما يلزمه من حقوق الله وحاجة نفسه، ومثل هذا خشى عمر رضى الله عنه حين قال: اللهم كبرت سنى، وضعفت قوتى، وانتشرت رعيتى فاقبضنى إليك غير مفرط ولا مضيّع. وكان سنه حينئذ فيما قال مالك ستين سنةً، وقيل: خمس وخمسين. فخشى، رضى الله عنه، مزيد ضعفه فيضيع مما قلده الله شيئًا، ومن متّعه الله بصحة لم يزده طول العمر إلا خيرًا يستكثر من الحسنات ويستعتب من السيئات، وكذلك الهم والحزن لا ينبغى للمؤمن أن يكون مهمومًا بشىء من أمور الدنيا، فإن الله تعالى قد قدّر الأمور فأحكمها وقدّر الأرزاق، فلا يجلب الهم للعبد فى الدنيا خيرًا، ولا يأتيه بما لم يقدر له، وفى طول الهم قلة رضًا بقدر الله وسخطه على ربّه. وقد كان عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم رضنى بالقضاء، وحّبب إلىّ القدر حتى لا أحب تقديم ما أخرت ولا تأخير ما قدّمت. ومن آمن بالقدر فلا ينبغى له أن يهتم على شىء فاته من الدنيا ولا يتهم، ربّه ففيما قضى له الخيرة، وإنما ينبغى للعبد الاهتمام بأمر الآخرة ويفكر فى معاده وعرضه على ربه، وكيف ينجو من سؤاله عن الفتيل والقطمير ولذلك قال (صلى الله عليه وسلم) : (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا) . فهاهنا يحسن الهم والبكاء.