(إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة) . فكان هذا من فعله فى آخر عمره وبعد فتح مكة، وقد قال الله تعالى له:(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)[الفتح: ٢] ، باستغفارك منه، فلم يسأل النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يغفر له ذنبًا قد غفر له، وإنما غفر له ذنبًا وعده مغفرته له باستغفاره، ولذلك قال:(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[النصر: ٣] . قال غير الطبرى: وقد اختلف العلماء فى الذنوب هل تجوز على الأنبياء؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا تجوز عليهم الكبائر لعصمتهم، وتجوز عليهم الصغائر. وذهبت المعتزلة إلى أنه لا تجوز عليهم الصغائر كما لا تجوز عليهم الكبائر، وتأولوا قوله تعالى:(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)[الفتح: ٢] ، فقالوا: إنما غفر له تعالى ما يقع منه من سهو وغفلةٍ، واجتهاد فى فعل خير لا يوافق به حقيقة ما عند ربه، فهذا هو الذى غفر له، وسمّاه: ذنبًا؛ لأن صفته صفة الذنب المنهى عنه، إلا أن ذلك تعمد، وهذا بغير قصد. هذا تأويل بعيد من الصواب، وذلك أنه لو كان السهو والغفلة ذنوبًا للأنبياء يجب عليهم الاستغفار منها؛ لكانوا أسوأ حالاً من سائر الناس غيرهم؛ لأنه قد وردت السنة المجمع عليها أنه لا يؤاخذ العباد بالخطأ والنسيان فلا يحتاجون إلى الاستغفار من ذلك، وما لم يوجب عليهم الاستغفار فلا يسمى عند العرب ذنبًا. فالنبى (صلى الله عليه وسلم) المخبر لنا بذلك عن ربه أولى بأن يدخل مع أمته فى معنى ذلك، ولا يلزمه حكم السهو والخطأ، وإنما يقع استغفاره (صلى الله عليه وسلم) كفارة