أقول: ما فتح الله هذا على قوم قط إلا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم وقال: اللهم منعت هذا رسولك إكرامًا منك له، وفتحته علىّ لتبتلينى به، اللهم اعصمنى من فتنته. فهذا كله يدل أن الغنى بلية وفتنة، ولذلك استعاذ النبى (صلى الله عليه وسلم) من شر فتنته، وقد أخبر الله تعالى بهذا المعنى فقال لرسوله:(وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[طه: ١٣١] ، وقال تعالى:(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ)[التغابن: ١٥] ، ولهذا آثر أكثر سلف الأمة التقلل من الدنيا وأخذ البلغة؛ إذ التعرض للفتن غرر. وقوله (صلى الله عليه وسلم) فى حديث أبى سعيد: (وإن مما ينبت الربيع يقتل حبطًا أو يلم) فهو أبلغ الكلام فى تحذير الدنيا والركون إلى غضارتها، وذلك أن الماشية يروقها نبت الربيع فيكثر أكلها فربما تفتقت سمنًا فهلكت، فضرب النبى (صلى الله عليه وسلم) هذا المثل للمؤمن أن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر حاجته، ولا يروقه زهرتها فتهلكه. وقال الأصمعى: والحبط: هو أن تأكل الدابة فتكثر، حتى تنتفخ بذلك بطنها وتمرض عنه. وقوله:(أو يلمُ) يعني يُدنى من الموت، وقد تقدم الكلام فى هذا الحديث فى باب الصدقة على اليتامى فى كتاب الزكاة.
وأمّا قول خباب:(إن أصحاب محمد مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئًا) . فإنه لم يكن فى عهد النبي - عليه السلام - من الفتوحات والأموال ما كان بعده، فكان أكثر الصحابة ليس لهم إلا القوت، ولم ينالوا من طيبات العيش ما يخافون أن ينقصهم ذلك من طيبات الآخرة،