وهذا الحديث علم عظيم من أعلام النبوة، وذلك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) عرف ما فى نفس أبى هريرة، ولم يعلم ذلك أبو بكر ولا عمر. وفيه شرب العدد الكثير من اللبن القليل حتى شبعوا ببركة النبوة. وفيه ما كان (صلى الله عليه وسلم) من إيثار البلغة وأخذ القوت فى كرم نفسه وأنه لم يستأثر بشىء من الدنيا دون أمته. وقوله:(اللهم ارزق آل محمد قوتًا) . فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك رغبةً فى توفير نعيم الآخرة، وإيثارًا لما يبقى على ما يفنى لتقتدى بذلك أمته، ويرغبوا فيما رغب فيه نبيهم (صلى الله عليه وسلم) . وروى الطبرى بإسناده عن ابن مسعود قال: حبذا المكروهان الموت والفقر، والله ما هو إلا الغنى والفقر وما أبالى بأيهما ابتليت، إن حق الله فى كل واحد منها واجب، إن كان الغنى ففيه التعطف، وإن كان الفقر ففيه الصبر، قال الطبرى: فمحنة الصابر أشد من محنة الشاكر، وإن كانا شريفى المنزلة، غير أنى أقول كما قال مطرف بن عبد الله: لأن أعافى فأشكر أحب إلىَّ من أن أبتلى فأصبر. ومن فضل قلة الأكل ما روى يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله: (إن أهل البيت ليقل طعمهم فتستنير بيوتهم) . وروى إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، عن محمد بن على، عن أبيه، عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (من سرّه أن يكون حكيمًا فليقل طعمه، فإنه يغشى جوفه نور الحكمة) . وقال مالك ابن دينار: سمعت